السبت، ٢٠ مارس ٢٠١٠

عبقرية الجمال !



صباحكم , نهاركم أو مساؤكم , محفوفٌ بالجمال , ذاك المنبثقُ من دواخلكم , والمتوهّجُ كالنورِ حولكم : )
بكل الشوق أعود للكتابة , استجمعُ أحرفي علّها تبلغُ الجمال الذي أنشدُ في الأدب .. فعذراً لطول الانقطاع .

.

أعشقُ كلَ ما هو جميل ,, كل ما يبث في نفسي إحساسَ فرح ٍ ومتعة , كل ما تستلذ به حواسي وإحساساتي ويأخذني إلى عالمٍ من الارتياح .
أعشقُ الجمال حين يتبدّى بأي شكلٍ من أشكاله , وجهٌ حسنٌ صبوح , خُلقٌ عالٍ , رسمٌ متناغم , لحنٌ شجي , رقصة ٌمنسجمة , نصٌ أدبي , صباحٌ جديد , أو زهرة ٌ متفتّحة ..

تُرى , ما هو الجمال ؟
لستُ أولَ من تساءل , ولستُ أولَ من كتب !
ولكني , كغيري من البشر , أحملُ في جسدي نفحة ً من روح الإله , إلهنا الذي هو جميلٌ يحب الجمال , لذلك مازالَ خلقهُ في بحثٍ دائبٍ عن معاني الجمال , فكراً وتساؤلاً وابتكاراً وإبداعا ..
هنا ,, علّنا نجدُ بضعاً من الجوابِ

.
.

الحبُ والجمالُ رديفان , لا نكاد نجدُ إحداهما إلا ونجد رديفه معه , عندما تمتلئ قلوبنا بالحب , ستمتلئ حتماً بالجمال , سنستشعره في كل ما نحبه , ونجده دون أن نتكبد عناء البحث عنه .

وفي ذلك يقول الرافعيّ :
{ الجمالُ في نظري جمالٌ من ناحيتيّن : حُسنُه في ذاته , وحُسنُه في خيالي الذي يجعلهُ أسمى من ذاته }

الرافعيُّ , يخبرنا هنا بان الجمال جميلٌ بذاته , ولكن هذا لا يكفي لأن نستمتع به , بل لابد أن نضفي عليه بضعاً من حبنا له , وتخيلنا الخاص لجماله , ذاك يجعلهُ في حِسّنا أجمل .

ويقول أيضاً في رسائلِه لمحبوبته :
{ كأنكِ جمالٌ لا ينتهي , وكأني عشقٌ لا يمتلئ }

كثيراً ما وقفت مشدوهة ً مأخوذة أمامَ سحر ِ هذه العبارة , والعلاقة الطردية فيها بين الجمالِ والحب , كلما زاد حبه لمحبوبته , زاد إدراكه لجمالها , وأروع ما في الأمر , أن لا جمالها ينتهي , ولا حبه لها يُروى ..

هذا لا يعني بالضرورة أنها كانت فائقة الجمال , إنما هذا يدلّنا على أن الحب هو الذي يضفي الجمالَ على الأشخاص أو الأشياء , وذاك مصداقاً لقول الأندلسي ابن حزم :
{ اعلم أعزك الله أن للحبِ حكماً على النفوسِ ماضيا , وسلطاناً قاضيا , وأمراً لا يُخالف , وحداً لا يُعصى .. }

وارتباط الجمال بالحب يفسّر أيضاً الحكمة التي تقول :
{ لا يوجد إنسان كامل , حتى نقع في الحب ! }

لأننا عندما نحب شخصاً , سنراه منزّهاً عن العيوب , خالياً من النواقص , وكذلك عندما نحب صنعة ً ما , سنجدُ الجمال الكامل والمتعة الحقّة في نتاجِ هذه الصنعة .

فالجمال الخارجي وحده قد يستوقفنا للحظات , ولا يدوم في إحساسنا إلا إن ارتبط به الحب , وهذا يفسّر إعجابنا اللحظي بوجهٍ جميل سرعان ما ننسى قسماته , أو الانجذاب لأغنيةٍ شجيّة دون أن نشعر بالرغبة في إعادة سماعها بعد أن تنتهي .

وجميعنا يعلم بأن الحب الذي يزيد إدراكنا للجمال , لا بد وأن يتدفق من إحساسنا الداخلي بهذا الجمال الداخلي , وليس من مشاهدة أعيننا للجمال الخارجي .

هذا يفسّر إحساسنا بجمال المعاني التي تكتنف القصائد والأشعار الجميلة , أو إحساسنا بجمال الصوت والترتيل عند سماعِ تلاوةٍ جيدة للقرآن , دون أن يكون لأعيننا أي دورٍ في ذلك .

ويفسّر أيضاً تناقص إحساسنا بالجمال اتجاه بعضٍ مما كنا نراهم آية ً فيه , فطول العشرة قد تكشف لنا عن طباع ٍ سيئةٍ فيهم , تجعلنا ننفر منهم ونرى مكامن القبح في نفوسهم .
أو العكس , قد ننفر من دمامةٍ وجه أحدهم , وما إن يبدأ بالحديث أو يقدم لنا مساعدةٍ , أو تطول عشرتنا معه حتى نبدأ باستشعار شيء من الجمال في وجهه وروحه .

ذلك أن الناس يختلفون في معايير الجمال الخارجي , ولكنهم لم يختلفوا أبداً في تحديد الجمال الداخلي , والذي هو لا تدركه إلا النفوس الجميلة ..


والجمال , كارتباطهِ بالحب , مرتبط ٌ أيضاً بالحالةِ الشعورية للإنسان , إن كان سعيداً , حتماً سيكون أكثر استعداداً لاستشعار الجمال من حوله , وإن كان حزيناً , سيرخي ستاراً من القبح على عيّنيّه وروحه يحجب عنه الجمال .

وأحياناً قد يتبدّى النقيض , فقد يكون الحزن سبباً من أسباب استشعار الجمال !
يحدث ذلك عادة ً بفضلٍ من الله , عندما يلجئ الإنسان له وهو مثقلٌ بأحزانه , فيبث الله في روحه شيئاً من رحمته وسكينته , فيستشعر حينها العبد جمالَ علاقته بربه , وحبه الذي يربطه به ..

وفي معرض حديثنا عن الجمال وتنزّهنا في رياضه لا يمكننا تجاوز نظرية العقاد الفريدة في الجمال وفيها يقول :
{ الجمال هو الحرية , فلا يكون الجمال أبدا في معناه بعيد عن الحرية , ولا تكون الحرية ابدا في معناها بعيدة عن الجمال }

ويقصد فيها , حرية النظر والاستمتاع بالشيء الجميل دون أن يعترضنا ويعيق إحساسنا أي شيءٍ من القبح .

الجمال عنده , أن ينساب النظر في الشيء الجميل من أعلاه إلى أسفله ومن يمينه إلى شماله دون أن ينقطع ذاك الانسياب بأي عيبٍ أو قبح , وأن تستمر حرية الانغماس باللحن والصوت دون أي نشازٍ أو حشرجة , وأن تتابع الأبيات دون خللٍ في الوزن أو القافية .
الجمال عنده نقيضٌ للفوضى , لابد له من موازينٍ وقوانين تكفل حرية الاستمتاع به .

أما جمال المرأة فله فيه رأيٌ أطلق عليه { عبقرية الجمال } ومن هنا جاء عنوان المقال ..

يرى العقاد :
{ الإحساس بالثقة بالنفس عند المرأة الجميلة قيمة مهمة من قيم ومقاييس الجمال , تمنح تلك الجميلة جمالاً فوق جمالها , فالنساء الجميلات على نوعيّن :
- الجميلة التي يكون الجمال فيها كالثوب , تعلم أنها تلبسه وتريد أن تلفت به انتباهك فتقول : ألستُ جميلة ؟
- والجميلة التي يكون الجمال من أصلِ نسيجها , وهي تعلم ذلك وتريد أيضاً أن تلفت انتباهك , لكنها لا تسألك بل تخبرك وبكل تحدٍ : أنا جميلة !
}

النوع الأول من الجميلات عنده شكٌ بجماله , وأما النوع الثاني فهو جميلٌ رغماً عنك

ولذلك , أنصح كل من تقرأ هذا المقال , أن تكون عبقرية ً في جمالها وفي التعبير عنه ;)

ومادمتُ أرى أن أجمل ما في الحياة أن نعيشها بإحساسنا لا بحواسنا , والأجمل من ذلك أن نعيشها بإحساس - المرأة - , فسأختم المقال بترتيب جمال المرأة عند العرب :

{ قال العرب عن المرأة : إن كان بها مسحة جمال فهي جميلة , وإن استغنت بجمالها فهي غانية , وإن لم تكن تبالي أن تلبس ثوباً فاخراً فهي معطال , وإن كان حُسنها ثابتاً كأنه قد وَسم فهي وسيمة , وإن كان لها قسمٌ وحظٌ وافرٌ من الحسن فهي قسيمة , فإن كان النظر إليها يسر الروّع فهي رائعة , فإن غلبت النساء بحسنها فهي باهرة }



* كل ما بين القوسين مُقتبس , والمراجع :
{ أوراق الورد } مصطفى صادق الرافعي
{ هذه الشجرة } عباس محمود العقاد
{ الحب أعزك الله } حاتم بن محمد الجفري

.
.


مما قلتُه في الجمال :

* لو أدرك كل إنسان كوامن الجمال بداخله لما احتاج للبحث عنه في الخارج , لأنه لن يره حتى حتى ولو كان أمامه .

* عندما يرى الجميع ماهو جميل بأنه عادي , هذا لا يعني أننا يجب أن نصبح كالآخرين , بل يعني أن نساعدهم على اكتشاف هذا الجمال .

* عندما تتوقف الروح عن استشعار الجمال , لابد أن نسارع لإصلاح هذا العطب !

* ليس الفن إلا صنفاً من صنوف الجمال , أياً كان شكله .

.
.

وإلى أن نلتقي بمقالٍ جديد , أترككم بكنف الجمال , تنعمون بما حباكم الله منه ..