الثلاثاء، ١٩ مارس ٢٠١٣

ما أخفيته وما ستبديه الحياة

 
ستكبران يا صغيرتاي وستكتشفان أن الحياة ليست كما تبدو عليه في منزلنا, ستكتشفان أن العالم ليس نافذةٌ ستائرها من الدانتيل, وليس غرفةً جميلة لشرب الشاي والقراءة.
ستكتشفان أن النساء لسن أنيقات كما هن دوما في أفلام الأبيض والأسود, وأنهن لا يغنين كلما نزلن للشارع أو ذهبن لحفلة وأن الموسيقى لا تنبعث فجأة من حولهن.
ستكتشفان أن الرجال ليسوا دوما لبقين كأنور وجدي, أو وسيمين كرشدي أباظة أو يمتلكون حسا عاليا للدعابة كاسماعيل يس.
ستكتشفان أن الفتيات لا يمتلكن مثلكن صورا للطفولة الأولى بالقبعات الانجليزية, أو بالأزياء التي سيقلن لكن أنها غبية ومضحكة, وأن أمكن كانت تلبسكن على الطراز القديم.
ستكتشفان أن الحياة موجودة بمكان آخر غير الكتب, وأن جين إير, والنساء الصغيرات, وماجدولين, وزهرة الثلج, ومريمة وكل اللاتي قرأت لكن حكاياتهن قد متن منذ عقود, وربما بعضهن لم يعشن أصلا.
ستكتشفان أن الكتابة قد تخفف من ثقل المشكلة على الروح, ولكنها لن تحلها, ستقول ما لا تستطيعان قوله ولكنها لن توصله, ستكتبن كثيرا ولكن ستكتشفان ألا جدوى من الكتابة.
ستكتشفان أن الأواني الأنيقة لن تجعل الآخرين يحبون الأكل بالضرورة, والأكواب المزينة بالأزهار لن تغير من نكهة القهوة .
ستكتشفان أن الأطفال لا ينامون دوما بأسرة بيضاء تنساب الغلالات الشفيفة من فوقها, أن الأطفال لا يملكون دوما الكثير من الألعاب والثياب والأقارب المولعون بهم.
ستكتشفان أن الحب لا يبدأ دوما من النظرة الأولى, وأنه لا ينتهي عادةً بالزواج, وأن الزواج ليس فستانٌ وطرحة, وأن الأمومة ليست طفلٌ ينام بهدوء بين ذراعي أمه.
ستكتشفان أن المنازل لم تعد باذخة, وأن التفاصيل لم تعد مكتملة, وأن الناس لا يبدون كقطع فنية متحركة كما هم في اللوحات القديمة.
ستكتشفان أن ما من بلادٍ تسمى الأندلس, وأن الحب في باريس لا يوزع على الطرقات, وأن قصر السلطان لم يعد يضج بضحكات الجواري.
ستكتشفان أن المصلين لا تنهاهم دوما صلاتهم عن الفحشاء وأنهم يأتون المنكر, وأن الأغنياء لا يعترفون دوما بحق السائل والمحروم في أموالهم, وأن هناك من يقول لأمه وأبيه أفاً لكما.
ستكتشفان أن المعلم لا يكاد أن يكون رسولا, وأن بعض الأمهات لسن بمدرسة, وأن المدينة الفاضلة لا توجد إلا في خيالات الكتب.
ستكتشفان أن الخير فطرة, ولكن الفطرة ليست كل شيء, فكل مولودٍ يولد عليها, ولكن أبواه, واخوته والناس من حوله يغبشون ما أودع به الله من بياض.
ستكتشفان أن القطع التي قمنا بخياطتها قد تكون جميلة ولكنها غير متقنه, وأن السوق مليء بكل شيء, مليء بما يمكن شراءه بدقائق بدلا من خياطته لساعات.
ستكتشفان أن الناس لا يأبهون بكما, وبأنكما لستما محورا لحياتهم, وبأن وجودكم عرضي في حيوات الآخرين, وليس جوهريا كما هو في حياتي.
ستكتشفان أن الجمال لا يهزم القبح, أن الجانب البشع من وجه الحياة يطغى على الجميل, ستكتشفان بأننا نستقوي على القبح بالجمال ولكن لا نلغيه.
ستكتشفان أن لكل شيء وجهان, لكل فرح حزنٌ يقابله, لكل حلم ألمٌ يسبق تحققه, لكل وصول انتظارٌ طويل, ولكل صديق عيوبٌ كثيرة.
ستكتشفان أن الدنيا ليست حلوة سكر كما تقول شادية, أو غنوة نغمتها حلوة كما تقول ليلى مراد, وأن سعاد حسني التي كانت تبدو سعيدة ومشاكسة في كل أفلامها قد ماتت منتحرة.
ستكتشفان أن الأزهار تموت سريعا, وأن الأصيص ليس بستانا, وأن الشارع قبالتنا ليس حقلا, وأن الريف بعيد, بعيدٌ جدا عن منزلنا.
ستكتشفان أن الحب ليس دوما هو المكون السري لنجاح أي وصفة, لاستمرار أي علاقة, للفوز بأي قلب, وللتقرب من حياة زلفا.
ستكتشفان أن البكاء ليس الطريقة الوحيدة لتحصلان على ما تريدان, الحياة ليست أنا, ستبكيان كثيرا, ولكنها لن تلتفت, لن تصغي, ولن تجود.
ستكتشفان أنني قد خبأت عنكما الكثير, ستكتشفان أنني أريتكما الحياة كما تبدو بالنسبة لي, أو كما أتخيلها, أو كما أتوهم أنها عليه.
ستكبران يا صغيرتاي, وحين تكتشفان الكثير ربما ستلوماني  كثيرا, ستتهماني بخداعكما, ستتهماني بالهشاشة والضعف والخواء,  وربما ستصليان من أجلي, ستشكران الحب الذي غلفته حول قلبيكما كشريطة من الحرير, تضفي عليهما القوة والجمال..