السبت، ١٢ سبتمبر ٢٠٠٩

علمتني مكتبتي ..



أقضي هذا الصباح مُنحية َ الظهر أمام مكتبتي
أحمل كتاباً أُخرِجُ آخراً وأمسحُ الغُبار عن غيّره ..

مكتبتي المسكينة , والتي تكدّست الكتب على رفوفها بلا هوادةٍ أو رحمة , وتحمّل كُلُ رفٍ منها كمية ً من الكُتبِ لو قُسمَت على رفيّنِ لاحدوّدبا !

وبينما تمضي الساعات وأنا على حالي , أحملُ وأضع , أمسحُ وأرتب , أصنّف وأتصفّح , إذ بها تقولُ لي بصوتٍ مبحوح , ملؤهُ حكمة ً ووقارا :
يا إيلاف , أنصتي لي واسمعي قولي , فإني لكِ ناصحة ٌ أمينة

فقلت : أعوذ برب الفلق من أبكم ٍ قد نطق , وجمادٍ ما زَفرَ من قبل وما شهق , ماله اليوم يُنادي , أرعب قلبي فخفق !

فقالت : أمني تستعيذين ؟ والله إني لأحق منكِ , بالاستعاذةِ منكِ ومن ثِقَلِ كُتبك !

فقُلت : حسنا حسنا , لا تُكثري الجدالَ والخصام , أدلي بدلوكِ وأفرغي ما لديكِ من الكلام , باختصارٍ ووضوحٍ ومن ثُم فاصمتي وعليكِ السلام .

فقالت : إني كما تريّن , أضيقُ بضيوفك , ولا أتسعُ للمزيد منهم , ولو كان طفلا نحيلا , فأبدليني إن شئتِ بأخرى كبيرة , أو توقفي عن شراء الكتب , أو أودعي الفائض في مكتبة المنزل .

فرمقتها شزرا ثم قلت بتحدٍ : إن شكلك الجميل ولونكِ الهادئ يغويني بالاحتفاظ بك , وطلبكِ بالتوقف عن شراء الكُتب مرفوض , أما بخصوص تحويل الفائض لمكتبة المنزل , فهيّهات هيّهات , كيف يكون ذاك وأنا التي لا تقرّ عيني إلا وكل كتبي ترقد بجانبي .


لم ينتهي قولي, إلا وإذ بدمعةٍ تتدحّرج على أرففها وتصطدم بالأرض ثم تتلاشى كالسراب , وتعود مكتبتي إلى صمتها الأزليّ بعدما خسَرت المعركة

.
.

ما هي إلا دقائق وإذ بصوت الضمير في داخلي يٌناديني , فاستعذت مرة ً أخرى فقال لي :
ويحك يا فتاة , إنما أنا ضميرُكِ الناطقُ دوما ولست بمكتبتك الخرساء .
فقلت : حسنا حسنا , تفضّل يا أكثر من يتحلطم على وجه الأرض !

فقال : إنما مكتبتُكِ شيءٌ حكيم , فهي حاملة الفلاسفة وحاضنة المفكرين وحاوية الأدباء ومُنادِمَةُ البلغاء ومُسامِرَةُ الحُكماء , كفاكِ عجرفة ً ونفسيّة , تفكّري في قولها , تأملي في حالها , وأنصتي لنُصحِها .


فأطرقتُ قليلا , تأملت في الكُتب التي تحيط بي على الأرض من كل جانب , وهذه الكركبة العظيمة التي سببتُها من أجل تعديل المكتبة , ونظرت وإذ مازالت العشرات منها على الأرفف , تفكّرت , تذكّرت , راجعتُ حساباتي وذكرياتي , وإذ بي أصل للتالي :

* علّمتني مكتبتي أن عدد الكتب التي تحتويها ولم أقرأها يفوق بكثير ما كنت أتوقعه !

* علّمتني مكتبتي أنني التي كنت أرى في الروايات مضيّعة للعقل والوقت , قد أسرّفت في قراءتها وشراءها في الفترة الأخيرة , ولكن عزائي الوحيد أن 80% منها روايات تاريخية أو قديمة { تُثري من الناحية البلاغيّة والتاريخية }

* علّمتني مكتبتي أن نقطة ضعفي في شراء الكُتب وجود اسم الأندلس في العنوان , أو صورة زيّتيّة لفتاة من العصور القديمة على الغلاف !


* علّمتني مكتبتي أن هناك كُتب قرأتها ولكنني نسيت حتى عناوينها ! وأنني بحاجة لتصّفحها ومراجعة أهم أفكارها .


* علّمتني مكتبتي أن الكُتب التي قرأتها أثارت في فكري عشرات الأفكار والمقالات ولكنها لم ترى النور , ويجب أن أُريها إياه !


* علّمتني مكتبتي أن ما يُمكن له أن يكون شاهداً للكتاب { بوك مارك } هو كل ما أريد له أن يكون كذلك , وأن أي مكان أزوره أثمن ما أخرج به منه هو شاهد الكتاب ^_^


* علّمتني مكتبتي أنني مُسرفةً جداً في شراء الكُتب , وأن مزاجي المُتقلّب , دوما ما ينصب لي كميناً , حيث يستحثني على شراء عشرة كُتب في مجال واحد فأقرأ منها كتابيّن أو ثلاث ثم أتحوّل لمجالٍ آخر , وهلم جرااا


* علّمتني مكتبتي أن مزاجي الآن قضايا المرأة , بينما كان قبل عدة شهور السياسية الإسلامية , وفي بداية السنة الدراسية كان مزاجي دراسات حول الثقافة والهوية, وقبل سنتيّن تنمية الذات , ولكن المزاج الذي لا تخلو منه أيامي هو المزاج الأدبي والمزاج الأندلسي .

* علّمتني مكتبتي أن هناك كُتب لا أستطيع أن أضعها في المكتبة من شدّة حبي لها , فكلما وضعتها على الرف , أعدتها ثانية ً بجانب الأبجورة !


* علّمتني مكتبتي أن الكتاب الذي يُقرأ أغلى من الكتاب الذي لم يُقرأ بعد , ولكن كلاهُما أعزُّ على النفس ِ من النفس : )


* علّمتني مكتبتي أن قراءة الكُتب المتوافرة فيها أجدى من زيارة المكتبات ودخول في صراع مع الذات ودوّامة { أشتري أم لا أشتري ! }

* علّمتني مكتبتي أن الكتاب الذي أحبّه بشدة , لابد أن أتحدّث عنه لمدة شهر أو يزيد , وأن أكتب عنه مقالاً , أو أن أشتريه لمن أحب

* علّمتني مكتبتي بأنه لا جدوى من تصنيف محتوياتها مادمت سأغيّر التصنيف كل أسبوع

* علّمتني مكتبتي أن من يُهدي لي كتاباً فهو يُحبّ لي الخير

* علّمتني مكتبتي أن أكف عن شراء الكُتب التي تعجبني أغلفتها التاريخية !
فكم من مرةٍ خدعتني صورة الغلاف

* علّمتني مكتبتي بأن أهم أفكاري التي تشكّل حياتي , اكتسبتها من الكُتب .

* علّمتني مكتبتي بأن الذي لا يقرأ كالذي لا يتنفس , عقله محدود , وأفقه ضيّق , إذا تحدّث لا يكادُ يُبين , وإن ناقش لا يكادُ يَفـقـَه !

* علّمتني مكتبتي بأن الحياة َ مكتبة , وفي قلبِ كلٍ منا كتاب , هذا كتابُه شعرا , وهذا كتابُه نثرا , وهذا كتابُهُ فكرا , وذاكَ كتابُهُ قصّة , وغيّرهُ كتابه فارغ!
وما عليّنا إلا أن نقرأ كُتبَ الآخرين وقلوبهم , حتى نستطيع القول بأننا نُجيد القراءة
: )

.
.

ما انتهت تأملاتي إلا وإذ بي أسمعُ صوتاً تشوبهُ ضحكة ٌ ساخرة يقول :
يا إيلاف , ألم أقل بأني لكِ ناصحةٌ أمينة , فزجرتني ونهرتني ؟

فقلت : أعوذ ُ بربِ الناس , من خنّاس ٍ وسواس, نقـَلَ حب التهكّم والسخرية إلى الجمادِ من الناس !

الأحد، ٦ سبتمبر ٢٠٠٩

هَبْهُم عيدا , ولباساً جديدا : )




معظمنا في هذه الأيام لا هم له سوى قضاء احتياجات العيد
البحث عن ثوبٍ جميل , ولباسٍ جديد , وحذاءٍ أنيق
لا تكاد تجد لك موقف سيّارة أو مَوضِعَ قدم في الأسواق والمُجمعات
وكلما جلست في مجلس , تدور الأحاديث حول أجمل البضائع وأجوّدها وأنّدرها
خصوصا بين النساء

يذكّرني ذلك بفستاني المنفوش الجديد , حذائي الأسود , حقيبتي الصغيرة , جواربي ذات الدانتيل الأبيض , وزينة الشعر
كل تلك التفاصيل التي أحرص على تجهيزها والتأكد من جمالها ومن ثم عرضها بطريقة مرّتبة في غرفتي وأمام عيني , حتى تكون آخر ما تشاهده قبل أن أغمضها عشيّة العيد وأنام على حُلمٍ سعيد ..
حينها كنتُ في السادسةِ من عُمري

كنت أنام , وكـبقيّة الأطفال أنتظر شروق الشمس لأرتدي بدلتي الجديدة , وأطلّ على الصباح بأبهى حُلل السعادة والجمال ..

لم أكن أدرك حينها أن هناك طفلٌ في بلدي لن يشاركني هذا الإحساس , لن يفرح بثوبه الجديد ,
لم أكن أدرك بأن هناك أمٌ تكّره اقتراب العيد لأنها لن تجد ديناراً تشتري فيه لابنتها فستاناً جميلا ..
ولم أكن أدرك بأن هناك طفلٌ لن يصحبه والده إلى شارع خالد بن الوليد لشراء هديّة العيد ..


أما الآن وقد كبرت , وقد أدركت ذلك جيّدا , فإن فرحتي بثوبي الجديد لن تكتمل حين يلامس جسدي وتشرق شمس العيد , إلا بعد أن اسّتشّعر بأن هناك من شاركني هذه الفرّحة , وبأنني ساهمت بإدخالها على قلبِ مُسلم : )

{ لأن العطاء سعادة , والعيد أن تتلّمسَ فرحة ً في قلبِ إنسانٍ صنعتها له , حتى ولو كنت لا تعرفه ولا تراه }

فأنا أدعوكم أن تتوجهوا إلى دواليبكم الممتلئة بالثياب الجديدة الفائضة عن الحاجة , وحتى لو لم تكن جديدة ولكنها غير مُستهلكة أو بالية , ارتديتموها لمرةٍ واحدة أو مرّتيّن ولن تعاودوا الكرّة
اجمعوها , تأكدوا من نظافتها , قدّموها بطريقة مرتّبة إلى أقرب لجنةٍ خيّرية , واطلبوا منهم أن يوصلوها قبل العيد للأسرِ المُحتاجة والمُتعففة داخل الكويت

قد يكون حذاءً لست بحاجةٍ له , أو فستاناً لا تودين ارتداءه , أو قميصاً ضاق على ابنكِ , أو حقيبة ً لن تحميلها مرةً أخرى

تذكروا , بأن هناك من يود أن يفرح بالعيد , يتمنى أن يطبّق سنة رسول الله بلبس ثوبٍ جديد , ولكن ماله لا يكاد يسد جوعه

فلنساعدهم
فلنهبَهُم عيدا : )