الأربعاء، ١٨ فبراير ٢٠٠٩

حديث الروح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,

طبتم وطاب مساؤكم يا أهل اللغة الجميلة العذبة : )

نطل عليكم مجددًا من نوافذ الأدب , الأدب الإنساني الذي تتجلى فيه الإحساسات والأفكار والفلسفات الشخصية , في هذا النص الذي كتبته مؤخرًا ..

أتمنى لكم قراءة ممتعة

.
.
أقومُ مُتثاقلة , وبضجرٍ أتساءل : لماذا تكتفي أجسادنا من النوم بينما أرواحنا تحتاجه بشدّة , تحتاج للنوم \ التخدير \ الهرب \ أو القمع حتى ! هه لا تهم التسمية أيًا كانت , المهم تحتاج لأن تغيب عن وعيها وإدراكها لكل الأفكار والأحلام , والأفراح , والمُهمات , وحتى التفاصيل ..
ساعة ٌ إضافية , ساعتان , يومٌ كامل , أيُ جزءٍ من الزمن يمكن أن أنامه أكثر , أخبئ فيه عقلي ونظري وسمعي وأدسُ في جنباته روحي لتكف عن التلاشي والتآكل , لأحافظ على ما تبقى منها على الأقل !
لا أدري إلى أين باتت ترحل , أراها تتسرب من بين مسامي , تنسلُّ ببطء من كلماتي , وتتلاشى جزءًا حزءا مع كل خاطرة تطرأ على فكري , كيف أوقف هذا النزيف , لست أدري , ولست أدري حتى أيٌ حلٍ ناجعٍ ذلك الذي يمكن أن أستعين به , كل الحلول مُستعصية , متمردة , قاسية , شريرة ! كلها تفزعني عندما أغلق الأنوار وأنام !
,
,
أنا لا أحب الألم , لا أحب الأسرار , لا أحب الأضواء المطفئة , لا أحب الصفحات المطوية من كتاب الحياة , لا أحب الوجوه العابسة , لا أحب اصطناع الفرح , لا أحب النفوس الشريرة , لا أحب الليل المخيف , لا أحب الإحساسات التي لا أفهمها , لا أحب التفكير الذي لا يخلق الحلول , لا أحب أن أتذكر الأشياء التي لا أحبها , كيف إذًا أحياها ,, إنها تتعبني , تتعبني جدًا , هل للفكاكِ منها من سبيل ؟
,
,
أحب أن أحتفظ بالأزهار الذابلة , في اصيصٍ صغير أملكُ خمسة ً منها , أربعٌ باللونِ الأحمر , والخامسة بيضاء , ولديّ أيضًا باقة من الأزهار الصغيرة الملونة ماتت منذ أشهر , مازالت واقفة ً بألم بجانبِ مرآتي .. أتأملُ الآن مأتم الزهور , لكلٍ منها حكاية , ولكلٍ منها شعورٌ تثيرهُ في نفسي ..
لا أستطيع أن أرميها لمجرد أنها قد ذبلت ! لستُ قاسية , ولستُ جاحدة , لن أستطع أن أنسى منظرها الرائع حين كانت طريّة , نديّة , بأريجٍ شـَذيّ , ما ذنبها إن كانت أعمارها قصيرة , أحتفظ بها لأتذكر دومًا منظرها الجميل عندما رأيتها لأول مرة , ولأتذكر أن الحياة ستذبلُ في يومٍ ما , فالناسُ كالزهور , كالزهورٍ تمامًا ..
وأرواحنا زهور , إن ذبلت لا نستطيع أن نرميها لمجرد أنها قد ذبلت , فقد كانت جميلة في يومٍ ما , وستعود حتمًا , ستعود وإن لم تعد الزهور جميلة !
,
,
أحبُ كتبي كثيرًا , كلُ كتابٍ منها حياة , حياةٌ مُنفصلة , متصلةٌ أيضًا !فيها أنسٌ وفرح , فيها ألمٌ وتَرَح , فيها غيث , دمع , حنان , تاريخ , أحرف , مِداد , أرواح , زاد , أوراق , شخوص , شحوب , شروق .!
فيها كل المترادفاتِ والمتناقضات , فيها كل الذي أبحث عنه والذي أهرب منه , فيها دفءٌ وبرد , فصولٌ وسنونٌ وأيام ..
أدفنُ فيها نظراتي , هل ستبقى كتبي عندما أمضي وأرحل ؟
من لها , من سيقرئها , من سيتخلص منها هه !فكرةُ الوداع تلك التي تراودني حيالها , هي التي تجعلني أرش العطر بسذاجة داخل كل كتابٍ أقرئه ,بعدما أرحل , لا أريد أن تفتقدني كتبي , سيبقى عطري يحتضنها بشدة , يضفي عليها جزءًا من روحي , يعانقها إلى الأبد , أو ليس إلى الأبد , ربما إلى أن تملني وتجد روحًا غيرَ روحي تستوطنها ..
,
,
أحبُ اللون الزهري , أحب طفولتي التي اتشحت به , كم أفتقد روحي المشاكسة , الصغيرةُ الشقية ذات الوجه الممتلئ والشعر القصير , أتفرّس صورها فأجد بقاياها مترسبة في روحي التي تكبر , وأجد ملامحي متشبثة بتلك القصاصات ..
أينما وُجدت , كانت تحدثُ ضجة , تجري , تلعب , تتحدث , تضحك , تبتكر المواقف , وتحرّك الركود الذي حولها , مالها أصبحت الآن راكدة , هادئة , تفتقدُ شقاوتها شيئًا فشيئا .. هه , هل الطفولة تتلاشى أيضًا كالأرواح ؟
,
,
أحبُ القلوب الطيبة التي تحيط بي , أحب أن أتلمس البياض الذي يتدفقُ منها , عندما أتأملها , فهذا يعني أنني أشكرُ الله في داخلي ألف الف مرة أن رزقني بها وأحاطها بي , وعندما أضع يدي في يدِ أحدهم أو أمسحُ على كتفه أو رأسه برفق , فهذا يعني أنني أعبر بصمت عن الشوق الذي يرهق كل جزءٍ من أجزاء روحي , لمساتي تلك تقول بأنني أحبكِ يا أمي أو أحبكِ يا صديقتي , ولكنني اكتفي بطريقتي الخاصة بالتعبير, عندما أمسحُ على يدي فهذا يعني أنني افتقد أحدهم , وابحث عنه في نفسي التي اختلطت بنفسه ..
وكثيرًا ما يحدث هذا الشيء في الصلاة , وهل في غير الصلاة تتصل الأرواح ببارئها وبأحبائها ..
,
,
أحبُ أن أكون سعيدة , ولا أستطيع أن أقول بأنني سعيدة فعلاً إلا عندما يشاركني أحدهم هذه السعادة , فمتعتي الحقيقية , وسعادتي الصادقة , لا اشعر بها عندما أكون بغرفتي , أو عندما أجلسُ لوحدي , أو عندما أقرأ , أو عندما أزور البحر , ولكن سعادتي التي لا تشوبها أيُ بقعة حزن , تلك التي تتغلغل في روحي عندما أعطي أحدهم هدية , عندما أقول لأحدهم كلمة جميلة , عندما أوصل لأحدهم خبرًا سعيدًا , عندما أقوم بخدمة , عندما أكون سببًا في سعادةِ شخصٍ ما , والأجمل عندما يكون طفلاً ..
,
,
أحب أن أكتب , بالرغم من أن الكتابة مُتعبة , مُرهقة , تستنزف من روحي الكثير , أشعر بأن كل كلمة أكتبها انتزعها من نفسي انتزاعًا , ولكنها ممتعة , مريحة , ومحببة إلى قلبي ..
الكتابة غذاءٌ للروح , كما أنها استنزافٌ لها , الكتابة توثيق للروح , كما أنها محوٌ لها , الكتابة حديثٌ مع الروح , كما أنها صمتٌ يكتمُها ..
هه , لن يفهم أحد , ولن أفهم أنا حتى , ولكن أحب أن أكتب , في غمرة الزحام , وفي غمرة الانشغالات , وفي معمعة الفوضى , يجب أن تقف , يجب أن تتنهد من أعماق تنهيدة ً طويلة , ويجب أن تكتب ..
,
,
أشعر بالتعب , لأن لا أحد يفهم أنني لا أستطيع أن أقوم بمهمة إن كانت روحي متعبة , إن كان مزاجي سيئًا , إن كان فكري غير خالٍ , إن كان هناك أمرٌ ما يشغلني \ يرهقني \ يجعلني أتآكل !
أنا لا أستطيع أن أحتمل النظرات القاسية , لا أستطيع أن أحتمل العبارات القاسية , لا أستطيع أن أحتمل المواقف القاسية ..
إنها تتعبني , تتعبني منذ مدة , أتخلص منها , ولكنها تقحمُ نفسها مجددًا في حياتي , أتجاهلها , ولكن التجاهل يتعبني أكثر هه هل من وصفةٍ أسطورية تعيدني طفلة ؟؟
,
,
أحب أن أكون سببًا في سعادة الآخرين , ولا أحب أن أكون سببًا لآلامهم , عندما أحدثُ مشكلة ً ما , فلا أحزن لأنني وقعت في مشكله , ولكن أحزن لأن هناك أحدٌ ما سيحزن بسبب هذه المشكلة , لا أستطيع أن أكف عن التفكير بالآخرين , بإحساساتهم , بالفرح الذي يمكنني أن أخلقه لهم , والألم الذي يجب أن أتحاشاه .. أحاول جاهدة أن أكتم ألمي حتى لا أنقله لأحد , ولا أعدي به أحد , ولكن لا أنجح في كل مرة , وهذا الأمر يؤلمني أكثر ..
,
,
أحمدُ الله دومًا أن رزقني قلبًا سعيدًا , وحياة ً سعيدة , وأمنياتٍ سعيدة , وأحمد الله أكثر أن أذاقني الحزن في بعض أيامي , لأعرف نعمة الفرح , وأشكره عليها ..الألم \ الحزن \ الضيق \ التفكير \ الحيرة \ كلها أمور نحتاجها أحينًا لنقف , لنستشعر السعادة التي بين أيدينا , لنقارن بين لحظاتها ولحظات الفرح , لنغسل أرواحنا ونطهرها ..
حمدًا لله على الحزن والفرح : )

إيلاف 18-فبراير - 2009

هناك ١٠ تعليقات:

Unknown يقول...

عبق الادب ، بجميل الروح ، وصفاء القلب،اجتمعت فازهرت هذه الخواطر
فضفضة جميلة ان يعرف الانسان هو ماذا ؟
بوركت وبوركت ايامك
--
فعلا من سيرث الكتب ؟
سؤال جدا مهم .

Shamla يقول...

ايلاف:

أحببت حديث روحكِ الندية..
أحسسته شفافًا..طاهرًا..صادقًا..

كلماتكِ نشعرني بالدفئ وبعمق الأحاسيس الجميلة التي تسكنكِ..

شكرًا لسماحكِ لي بالتجول بين أروقة نفسك..استمتعت كثيرًا وتعلّمت أيضًا..

أنتِ انسانةٌ عظيمة..بروحكِ و بعطاءاتكِ الجمّة..

دمتِ للفرح رفيقة يا حبيبتي ;*

غير معرف يقول...

أمنية أرغبها بشدة;...

المزيد من الضحكات و الحظ و السعادة و الورود و الألوان لتزين عالمكِ الجميل

: )

يقول...

أتدرين ..

لقد وجدت بعضا من نفسي و أنا أتجول بين سطورك الزهرية

و في لحظة و جدت نفسي ألتف بالكرسي المتحرك لألقي نظرة على كتبي .. صحيح ماذا سيكون مصيرها؟؟

لم أرتوي بعد من رقراقها .. لابد أن أوصي بها خيرا .. هي ستبقى .. و نحن نمضي.. نسأل الله أن لايحرمنا من بصمة تبقى في قلب كتاب

غير معرف يقول...

لطيفة أفكارك ..

وصياغتها خفيفه ..

تشعرني أنها نزهه جميله في عالم إبداعك

منها لأجمل إنشاء لله

@alhaidar يقول...

نعم ..

الحمد لله على كل حال :)

تدوينة مميزة ..

إلى الأمام دائما أختي ..

Najmah يقول...

ايلاف
ممكن اطلب طلب صغير؟
ممكن تكبرين الخط شوي
اوتغيرين اللون :\
:**
ولي عودة بإذنه
..

فيه انتحال شخصيات !!
منو نجمة الثانية
@@

إيلاف يقول...

الكلداري ,
شكرًا لك أخي الكريم ..
والكتب , هه سأحمل همها إلى أن تحمل هيَ همي !

.
.

شيلو : )
أهلا عزيزتي أهلا
: ) ألق حضوركِ هنا أستعدني
دُمتِ بفرح عزيزتي وبطهر

.
.


نجمتي الحبيبة ,
ولكِ أكبر من تلك الأمنية ;*


.
.

العين ,
جميل أن تجتمع بعض الأمور فيّ وفيكِ
ويبدو أن الكتب تؤرق جميع عشاقها ..

.
.

حجر كريم : )

شكرًا على هذا القول الكريم ..

.
.


أحمد الحيدر ,
شكرًا لك أخي على الزيارة الأولى
مرحبًا بك ..


.
.

نجمة , تم تنفيذ طلبكِ ^_^

وأما نجمة الثانية , ههه فهي نجمة في احدى المنتديات , ودائمًا أحسبها أنتِ وهي عندي في المسنجر !
العتب على ذاكرتي هه

منطلقة بطموحي يقول...

الغالية إيلاف ،
مبدعة دائما :)
قلم رائع و جميل :*

إيلاف يقول...

: ) الغالية منطقلة ,
حياكِ الرحمن هنا , أينما حللتِ تبثين في نفسي فرح ;)