الجمعة، ٢٦ يونيو ٢٠٠٩

عشرونٌ مضت + احتفالية أدبية


صباحكم \ مساؤكم , مخضّب بالأدبِ والخير ..


أطلعُكم اليوم على تأملات كتبتها قبل فترة , في الذكرى العشرين لمولدي , وفي نهاية التدوينة , أزف لكم خبراً جميلا


رحلة ماتعة , أرجوها لكم : )


.

.


عشرونٌ مضت .!

صبيحةُ الخامس والعشرين من مارس , حيثُ كنتُ قد وُلدت قبل عشرين سنة !
كنتُ أطل للتوّ برأسي على الدنيا , أحرّكُ جِفنيّ للمرةِ الأولى , أستخدمُ رئَتيّ للمرةِ الأولى , أستنشقُ الشهقةَ الأولى , وأطردُ الزفرة الأولى ..
ماذا يعني أن يولد الإنسان ؟ يلّحُ الآن هذا السؤال على ذهني بشدّة , ومعه أتساءل , هل أقصد الولادة الفسيولوجية , أم الولادة الروحية , أم الولادة الفلسفية , أم الولادة القانونية , أم أم أم ..إلخ؟
هه لا يهم ! المهم أنني قد وُلدتُ ذات يوم , ومازلت أولد ربما كل يوم , أو مع كل ضحكة , أو في كل حزن !!

أن يولد الإنسان , يعني أن يعيش إلى أن يموت , وفي كل لحظة تولد في نفسي أشياء وتموت أخرى , تولد في قلبي نبضات , وتموت أخرى , تولد في سنواتي أيام , وتموت أخرى !!
الولادة , والحياة , والموت ..
البداية , والاستمرار ومن ثم العدم ,,
أما من أبدّيةٍ أزليّة تتوسط تلك الأمور , تربط بينها وتركلُ نقطة النهاية كلما أرادت التطفـّل ؟

الولادة , ترادفُ البداية َبالمضمون , وأنا أحبُ البدايات , أحبها بشدّة , لأنها تكون دوماً صاخبة , مفـّعمة بالحيوية , ناضحة بالحماسِ ِ ومُتوقّدة , البداية تأتي بالجديد , ذاك الذي كنا ننتظره , تأتي بالأشواقِ واللهفة , بالفضول , بالترّقب والاستعداد , البدايات تجعلني أتأمل كثيراً , كلما جاءت أكثرُ صخباً , كلما دلّ ذلك على قربِ خفوتها , وانطفاءِ وهجها , أما لو جاءت مُتهادية , ربما يعني ذلك أنها قد تطول ..

بقدر حبي للبدايات , إلا أنني أخاف منها , لأنها لابد وأن تجلب معها نهاية , والنهاية تأتي عادةً بغته , تسرقنا من انغماسنا , وتسرقُ منا الأشياء التي نتشبث بها فقط !

أحاول أن أحصي عدد الولادات \ البدايات, التي مررتُ بها , بداية الحياة , بداية ُ الدراسة , بدايةُ كتاب , بدايةُ سنة , بدايةُ أسبوع , بدايةُ يوم , بدايةُ قصيدة , البدايات في كل مكان , الولادات لا تكف عن التتابع والاستمرار .

صبيحة الخامس والعشرين من مارس , وهي تحين في هذه السنة , تعلنُ انقضاء عشرين سنةً من عُمري , أحملها على كتفي , أدسُ بها في حقيبتي , أركنها على أرفف مكتبتي , أخبئها بين صفحات كتبي , أمزجها مع مشاعري , وأحفلُ بها كما تحفِلُ هيَ بي .

هل أتممتُ حقاً هذا العُمر ؟ أم أن الأيام تسخرُ مني وتستهزئُ بي , ماذا لو كنت أتبع التقويم الصيني , أو الفارسي أو الهندي , ربما أيام السنة لديهم أطول من أيام السنة لدينا , ربما شهورهم أكثر من أشهرنا , قد أكون عندهم لم أتمم العاشرة بعد !
مُجحفة ٌ هيَ الرزنامات عندما تملي عليكَ عمراً تختاره هي ولا تريده أنت , فلا تملك إلا أن تُذعن .

عشرون سنة , أنشرها أمامي على الأرض بغرفتي كأوراق ِ اللعب , بصفوفٍ منتظمة أضع بعضها بجانب بعض , وبعضها فوق بعض , أمعنُ فيها النظر , أتفرّسها بدقة , كأنني لاعبٌ ماهر يبحثُ عن الورقةِ الرابحة , كل ورقة تمثّلُ سنة , كلُ ورقة تحملُ إيلافاً مختلفة !!


يثير هذا الأمر في نفسي ضَحِكاً كما يثير فيها حيّرة , فالخامس والعشرين من مارس , عندما يعود في كل سنة , يعود ومعه أخرى , تشبه قليلاً تلك التي ذهب بها في السنة الماضية , المرآة تقول بأنها تشبهها كثيراً , بل تكادُ تكون نسخةً مطابقة لها , أما الروح فتقول , بأنها أخرى , تّبدّلُ في كل عام الكثير , وتبقي الكثير كذلك !

في السابق , كنت أظن بأن الأرواح ثابتة بينما الأجساد هي التي تتغير , أما الآن فأنا موقنة بأن الأرواح هي التي تتغير بينما الأجساد تكون أكثر ثباتاً وأبطئُ تغيّرا .

وهذا ما فسّره لي تغيّر الوجوه القريبة مني في كل عام , تلك التي كانت تنتصفُ هذه الورقة , بينما أراها تنزوي في ورقةٍ أخرى , وتكادُ تكون معدومة في ورقةٍ غيرها , غريبٌ أمرُ تلك الأرواح , تأتي فجأة , تنشرُ ذراعيّها وتحلّقُ في حياتي , ثم لا تلبثُ أن تتلاشى , تنتشرُ في الأفقِ وتبتعد , وتأتي أرواحٌ غيرها , تعيدُ المشهد , وترحل لتأتي أخرى ..

قد أكون مخطئة عندما أقول بأنها ترحل , ولأكون أكثر دقة , يجب أن أقول بأنها ترحل لتبقى !
وأيٌ رحيلٍ ذاك الذي يبقى سوى الرحيل الذي يتركُ أثرا ..

فكلُ روحٍ ارتسمت على إحدى وريّقاتي \ سنواتي , قد تركت أثراً , تركت بسمة , تركت كلمة , تركت خُلقاً وتركت حنيناً وذكرى ,
يجعلني هذا أتفرّس في وجوه الناس الذين عرفت , أتأمل صورهم وهم واقفين بجانبي , ملامحهم لا تزال هيَ , ولكن أرواحهم قد أصبحت غيرها , يخيفني هذا الأمر ولا يؤلمني , يخيفني لأنني أتساءل , من هي الروح المقبلة التي ستروح , ولا يؤلمني لأنني اعتدته !

أعودُ لـ إيلافاتي اللاتي ارتسمن في تلك الأوراق , هنا إيلافٌ صغيرة تجمعُ في صندوقٍ كبير ألعابها الجميلة , العرائس الفاتنات , الفساتين الصغيرة , السيارة الوردية , الدب الكبير , المنزل الصغير , أدوات التجميل البلاستيكية , أدوات الطبيب الملوّنة , الحاسب الآلي ذو الأصوات الموسيقية الجميلة , وجهها المستدير الممتلئ يسدلُ عليها منظر الهدوء , إلا أنها كانت مشاغبة , مُزعجة , ومتسلطة !

أتذكر جيداً قصص أمي التي تحكيها لي قبل النوم , كانت تستحضرها من الخيال , وعندما أطلب إعادتها في الليلة المقبلة تكون قد نسيتها , فأبكي لعجزها عن تلبية طلبي , وكنت أصرّ على أن تنام بجانبي , وتربتُ على ظهري إلى أن أنام , كم كنت أزعجكِ يا ماما بمثل هذه الطلبات .

أتذكر مكتبي الذي كنت أجلس عليه , أبتكرُ الألعاب وأمارسها بمفردي , أضعُ حاسباً آلي , وهاتف , ومجموعة من الأقلام والأوراق , وأخالُ نفسي في شركة كبرى , ألعبُ في الوقت ذاته دور الزبون والسكرتيرة والمدير !

أنظرُ لورقةٍ أخرى , فأرى إيلافاً غريبة !
ههه لا أكاد أصدق أنني كُنتها في يومٍ من الأيام , تعشقُ اللون البرتقالي , تغلّف به كتبها المدرسية , تسكبه على أثاث غرفتها , وتشتري كل ما يتلوّن به , لأنها كانت مهوسة بكرة القدم , وبنادي كاظمة تحديدًا , أضحك , وألقي نظري على ورقةٍ غيّرها ..

إيلاف تقرر شراء مكنة خياطة , تتعلم الخياطة , وتبدأ بممارسة هواية جديدة , ما كانت تطيقها في يومٍ من الأيام , تخيطُ فستاناً , قميصاً , غطاءً لعلبة المناديل الورقة , وأشياء أخرى جميلة : )

أبتعد قليلا عن أوراقي , أقفُ وأرمقها بنظراتٍ سريعة ..
تتغير الاهتمامات , العلاقات , الهوايات , إلا هواية واحدة , تظل ثابتة , هواية التغيير !!

إيلاف تقرأ القصص وحكايات الجرائم , إيلاف تهتم بقضايا التطوير والتنمية الذاتية , إيلاف في مسابقة الشعر , إيلاف في الإذاعة المدرسية , إيلاف تتحول لقارئة نهمة , إيلاف تشارك في المنتديات , إيلاف تُنشئ مدوّنة , إيلاف تشترك في دورات مختلفة , إيلاف تحب التسوّق , إيلاف تعطي دورات للصغار , إيلاف تهتم أكثر بمواضيع الفكر والفلسفة , إيلاف تمارس الرياضة , إيلاف تحب المشغولات اليدوية , إيلاف أندلسية , إيلاف عضو في مرتقى , إيلافاً مختلفة في كل ورقة !


أجمعهن , أتأملهن , وأكتشف أن كل واحدة منهنّ تشكّلُ جزءًا مني , يتقاسمنني , يتشاركنني , ويسكُنّ بداخلي , لولاهن , لما كنتُ كما أنا الآن ..

أحبهّن جميعهن , وتجتاحني رغبة عارمة لعناقهن !

اممممم
عشرون سنة !

الدرج بجانب سريري مليء بالصوّر , أرفف مكتبتي مليئة بالكتب , قلبي مليء بالمشاعر , دولابي الخشبيّ مليء بالثياب , ذاكرتي مليئة بالتفاصيل , حياتي مليئة بالأحداث والشخوص , كلها دلائل , وقرائن , تشير إلى أنني أمضيت في هذه الدنيا عشرون سنة , من تلك السنين التي نحصيها نحن , نعُدّها , وننضمها لنلفها بعد ذاك عقداً حول رقابنا , نتجمّل به ونرحل !
كما يرحل كل شيء , كما يرحل الخامس والعشرون من مارس في كل عام , كما ترحل إيلاف , كما ترحل الأرواح المحيطة بها , كما يرحل كل شيء ..

عشرون سنة , تجعلني أوقن بأن أعمارنا أضغاثُ أيام , وأضغاثُ أحلام , ما بينها نعيش , ومنها نغترفُ حياتنا ..


.

.


~{ احتفالية أدبية }~


عندما يلوح الصباح , كانت تحمل شهرزاد كلامها المباح وتمضي على ديمةٍ من دِيم السماء , تاركة ً في قلوبنا الحبَ والأفراح ..

ولكن , من اليوم وآت , لن تصمت شهرزاد , ستظل تزهر بيننا كأزهار الربيع النضرات , وتتفتح كالشموس الجذلى في كل فجر , عندما تنجلي الظلمات , تحكي لنا الغرائبَ والأساطيرَ والحكايات , من زمنٍ بعيدٍ , بعيدٍ , لم يعد له ذِكرٌ أو ذكريات !


مرحى لعودكِ ياشهرزاد , ولعود الأيامِ الماضيات ..
عدتِ , لنرفل من جديد بأطواق الياسمين , وخلاخيل الزهر , نرصع كَلمنا بدرر اللغة , ونفائس البديع ,,
عدتِ ليعود الأدب ينبضُ في حنايا المدونات , موشحةً أندلسية , وموسيقاً فرنسية , وتراتيلاً صوفيةً خاشعة
قارئي الكريم , أغمض عينيكَ لأنك ستقرأ باحساسك , وافتح قلبك , ليغتسل بطهرِ العبارات
واركض برجلك , فهذا مغتسلٌ باردٌ وشراب ..
أدعوكم للحاقِ بالقافلة , وزيارة قصر السلطانة شهرزاد
فلنبارك لها عودها لعالم المدوّنات
لكل من يهوى الأدب , الحكمة , الإنغماس ..
مدوّنة الأديبة سارّة العسكر \ السلطانة شهرزاد

هناك ٧ تعليقات:

~ هند ~ يقول...

كل عام وأنتي أرقى :)

سعدت جداً بخبر عودة السلطانة شهرزاد..

صدقاً أنا جد مسرورة ..

:**

Q8EL5AIR يقول...

عقبال 20 سنة ويمها دشليون صفر :)

" دشليون " هذا رقم توني اعرفه .. يقولون 1 ويمه 33 صفر :)


" مُجحفة ٌ هيَ الرزنامات عندما تملي عليكَ عمراً تختاره هي ولا تريده أنت , فلا تملك إلا أن تُذعن ."


والله جدا جدا جدا روووعه ...

رائع رائع رائع ..






وتحياتي ..
ويسلمواااااااااااااااا :)

جنون الكويت يقول...

جمله فيها تركبيات فلسفيه رائعه سطرتيها لنا عن الحياة كل عام وانتي بخير

أبو أسامة يقول...

كل عام وإنت من الله أقرب وبه أعرف ومنه أخوف

ولا أدري أيهما أجدى عد الأيام أم السنوات!

Kuw_Son يقول...

كل عام و انتِ بخير .. لم أقرأ يوما مثل ما كتبته في ذكرى يوم الميلاد ..
عقبال الورقة المائة و العشرين

:)

إيلاف يقول...

هند :
وأنتِ أرقى وأسمى يا عزيزتي

وأدامكِ الله بالسرور والفرح : )


.
.


كويت الخير :

شكرا على المعلومة الجديدة
والمشاركة الجميلة : ) والاطراء


.
.

جون الكويت :
وأنتِ بخير عزيزتي : )

أشكركِ على حضوركِ

.
.


أبو أسامة :
الأجدى هو استغلالها واستثمارها : )
وأنت بخير وصحة ورُقي

.
.


ابن الكويت :
ههه نسأل الله أن لا يبقينا لأرذل العمر
وشكرا لك على الدعاء والمشاركة

سؤال يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.