الأربعاء، ١٧ فبراير ٢٠١٠

لماذا السفر بالذات ؟

لماذا السفر بالذات , لماذا لا شيء سواه يثير في نفسي هذه الأحاسيس التي تخالجني الآن ؟
يداهمني هذا السؤال وأنا أحمل حقائبي إلى بيروت , أزررّ معطفي على آخره , وأعلّق على كتفي الكامرة وبضعُ أمنيات .

أشعر في نفسي امتداداً للرُّحَّلِ الأُوَل , بقايًا من ابن بطوطة , وشيئاً من كولومبس يجمع بيني وبينهم فضول النفس الإنسانية ورغبتها المضطردة في البحثِ عن الجديد , السفر في بطون الكتب , امتطاء الدواب , الإبحار في محيطاتٍ غريبة , ملاقاة الوجوه التي لا تمت ملامحها لعوالمنا , ورؤية ما لم تره العين من قبل .

استعرض أمام ذاكرتي المدن التي زرتها من قبل , تغمر جسدي نشوة حنين , وأقول في صوتٍ خفيض :
{ شكراً لكِ يا تلك المدن التي وهبتني حياةً أخرى , شكراً لكِ يا تلك المدن التي ولدتني في أزقتها روحاً جديدة .. }

لاشيء سوى السفر يمكن له أن يجتاحني بهذا القدرِ من الفرح , منذ ورود الخبر , مروراً بحزم الحقائب , ووقوفاً بالمطارات ..
المطارات حيث تستهويني الكراسي المزدحمة , حيث أدس نفسي بين أقراني من المسافرين , ألقي لباساً من الصمت على شفتيّ , أطلق لعينَيّ عنانَ النظر ولفكري الفضول ..
أتأمل مشهد المتوافدين , المودعين , المستعجلين , والمتأففين من طول الانتظار , أشعر في منظر الحقائبِ المتكدسةِ فوقَ بعضها خشوعٌ رهيب , مهيبةٌ تبدو وهيَ تخفي في بطونها الأمتعةَ والمجهول ..
أحْزِرُ مع نفسي قصصاً للواقفين أمامي , للجالسين بجانبي , وللمسرعين بخطاهم في منتصف الطريق .

ترسم لي المطارات صوراً لمحطات السفر , لاستراحاتِ القوافل ولموانئ السفن العتيقة , ترسم لي صوراً للمواسم التي يتكاثر فيها الوداع منذُ أن بدأت الإنسانية بالسفر إلى اللحظة التي يُختم فيها جوازي الآن إيذاناً بالرحيل .


تساؤلي الأول , يجرّ خلفه تساؤلاتٍ أُخَرْ , لا تهدأ , ولا تفتأ تنخرُ عقلي كسوسةٍ أكولة !

تحملني الطائرة على أكفٍ من غيم , تحملني مُحقَقة ً فِيَّ حلمَ ابن فرناس بأجنحة الطيور , وبفضاءٍ مترامٍ من الحرية ..

هل كان يُدرك الأولون أن كل ما تحتاجه لمغادرة عالمك والالتحاق بعالمٍ جديد هو غفوةٌ قصيرة أو فصلٌ من كتاب ؟
وهل يدرك المعاصرون الذين حرموا أنفسهم متعة السفر , أن هناكَ عالمٌ أوسع بكثير من عالمهم الذي يختزلون أنفسهم به ؟

وحطت الطائرة !

هذه المرة استقبلتني بيروت ولم تعطني القدر الذي طمعتُ به من الدهشة !
ليس لأنني زرتها من قبل – فقد مضت على ذاك السنون – ولكن , لأنها كانت متواجدة بكثرة في أسواقنا , في مطاعمنا , وعلى شاشاتنا , اعتادت آذانُنا لهجتها وأرواحنا فنونها ,,
لم تترك تلك القرية الصغيرة التي تحول لها العالم الكبير ذاك الجانب الرائع من المجهول , كل شيء اعتادت أعيننا مرآه , واعتادت أرواحنا اختلاجه :\


أحب شراء التذكارات التي تجلب المدن إلى أرفف مكتبتي , ولكن هذه المرّة لم أبتع منها شيئا , يجرني ذلك للامتعاض الذي شعرت به وأنا أتجوّل قبل شهر في القرية العالمية في دبي , تلك القرية التي يظنها البعض عظيمة لأنها جمعت بين أسوارها عجائبَ الدنيا , بينما أراها أنا – كاذبة- !
كاذبة لأنها أوهمتنا بأنه بمقدورنا السفر من عالمٍ إلى عالم بخطواتٍ قليلة , وأراها أيضاً – نحيسة- !
نحيسة لأنها اقتلعا من عَيّنَيّ تلك الدهشة التي كانت ستوسّعُ حدقتيّهما عندما أقف أمام متاجر التذكارات في المدن التي لم أزرها بعد : (

أعود لبيروت , تلك التي عشتها رائعة ً في كتاب { بيروت المدينة المستمرة } لزاهي وهبي ..

بالرغم من أن منظر مبانيها المخرّمة برصاص الحرب مازالَ حاضِراً أمام ذهني , وبالرغم من علمي بضيق أزقتها وازدحام شوارعها واكتظاظ أرصفتها , إلا أنني كنت أخالني سأهبطُ في معرض الكتاب المنقضي في يناير , مُحاطة ً بالكتب الممنوعة والمسموحة والمجنونة , أو سأهبطُ في بستانٍ يُشبه الجنة , سأركض بين كروم العنب , واستمع من الأفق البعيد إلى صوتٍ فيروزٍيٍّ عذب يستجدي ويقول :
{ دخلك يا طيّر الوروار , رحلك من صوبن مشوار }

فأرد عليه وأقول :
{ دخلك يا طيران الوطنية , خذني ع بيروت يلي فيها بحلم ! }


9-فبراير

هناك ١٤ تعليقًا:

حالِمه .., يقول...

أحب الأحلام ..،
لأنها هي /فقط/ التي باتت تأخذنا لما نريد ونحب ونعجز عن الوصول إليه//
اذهبي واحلُمي يا صديقة..،

~ لـ بيروت سلام وأوافقكِ الرأي في /القرية العالمية/

BookMark يقول...

السفر .. متع وفوائد لا حصر لها ..

أبدعتِ في وصف أجواء السفر، والمطارات ، والحقائب، ووجوه المسافرين ..

تروحين بالسلامة
ولا الحمدلله عالسلامة؟

شكرا بنت بطوطة :)

رذاذ المطر يقول...

للسفر سبع فوائد كما ذكر الأولون
وله غاية جميلة في نفس الفرد حين
تريه مالم يره في مكانه ، ربما
قد تتشابه طرق وأرصفة في بعض
الأزقة لكنها حتما تختلف في أشياء
أخرى ومن مكان لغيره ..

رحلة ماتعة إيلاف

المحامي يقول...

ليس هناك ما هو أجمل من السفر .. وليس هناك ما هو أصعب على النفس من قرب العودة والنفس تطمع بالبقاء

أبدعتي بوصف أحاسيس السفر.. وأحلى شي لما يقولون دعاء السفر أثناء الذهاب .. ما أحس أني مسافر إلى أن أسمعه :)

حمدا لله على السلامة :)

may يقول...

أعجبني في النص الصور البلاغية الرائعة وأسلوبك الأدبي المميز..

أحببت وصفك للرحل الأول..

أعجبني رسم المطار في لوحة فنية حية..

فقط عبارة واحدة لم أقتنع بها :
"تساؤلي الأول , يجرّ خلفه تساؤلاتٍ أُخَرْ , لا تهدأ , ولا تفتأ تنخرُ عقلي كسوسةٍ أكولة !"


التساؤلات أمر إيجابي لا يجب وصفها كدودة تأكل العقل إنما هو أمر ينشط العقل ويحفزه.. عموما هي وجهة نظر قد تكون غير صحيحة فقط أحببت إبداء رأيي..

أسرني عبارتك التي تجلب المدن عن طريق التذكارات إلى مكتبك ..


مبدعة أنت يا إيلاف
بالتوفيق ،،

Engineer A يقول...

اكتشفت من زيارتي الأولى لمدونتك وقرائتي لموضوعك هذا ، نقطة مشتركة بيننا .. فأنا عاشقة للسفر والترحال<< اشعر بأن في تلك الكلمات سحر خاص .. عالم آخر.. دنيا جديدة ..

وصفك لأحاسيس السفر .. أثار جنوني .. وأشعل الشوق في قلبي .. لسفرة ما .. لبلاد ما .. في وقت ما .. أتمناه قريباً جداً :)

يعطيج العافية

غير معرف يقول...

يبدو ان بيروت ساحرة الجميع

أتحرى شوقا لزيارتها

ابدعتِ في وصفك لبيروت و للرحالة

واتفق معكِ بما ذهبتِ به في وصفك عن القرية العالمية

تحياتي

بويوسف

إيلاف يقول...

حالمة : ) مادُمتِ كذلك , فلكِ إذن من اسمكِ نصيبٌ وافر

حيّاكِ المولى عزيزتي ..

.
.

شاهد الكُتب ^_^
بل الحمد لله على السلامة ; )

يسعدني أن تكوني هنا عزيزتي

.
.

خولة , صدقتِ يا صديقتي العزيزة

لكِ تحية خاصة : )

.
.

المحامي , شكراً لك
وبالفعل , دعاء السفر جميل في الطائرة

إيلاف يقول...

العزيزة مي

أشكركِ على ما نال اعجابك : )

وإنا وصفتُ الأسئلة بالسوسة , ليس للتقليل من شإنها
بل لتبيان كثرة تزاحمها وتتابعها
وأرجو أن لا يكون تشبيهي في غير محله ..

اسعدتني زيارتكِ يامي , أرجو أن تكوني هنا دوما ^_^

.
.

المهندسة

مرحباً بكِ , ويسرّني أن تكوني من ضيوف المدوّنة
واسأل الله أن يرزقنا وإياكِ سفرٌ تلوَ آخر

.
.


بويوسف
أمم , لم تسحرني بيروت بذاك القدر

ونشكر لك حرصك الدائم على المشاركة

دُمتَ بخير

الفنان يقول...

تحياتي ورفعت العقال ....

في الحقيقة لم استطع ان اخفي اندهاشي بالبوست النااااااار

وقلت مثل ما اعتدت ان اقول عند قراءة شيء يعجبني ويدهشني

ياااااااسلالالالالالاك عليج يا ايلاف
والله جميلة

البوست عجيب وجميلة للأمانة اليوم تصفحت 5 مدونات وكانت احر محطة ايلاف
لي في هذا حكمة .. لأني بعد بوست ايلاف خلاص ما ابي اقرا شي ... كافي على اليوم

مدحت وايد .. وهذا مو عادتي .. الا اني فالحقيقة مستانس ...

ويرجع السبب في وناستي لأمور عدت

اولا : لبنان بلد الحبايب ..
كم اعشق هذه البلدة

ثانيا : مقال ادبي .. على نهجر أدب الرحلات والاسفار

ثالثا : يا لتني كنت معكم ....
لبنان وكتب وطبيعة وجمال( الطبيعة ليس النساء ) وماء
وفوق كل هذا فيروز ...

::
ثلاثة يذهبن الحز ماء وخضر والوجه الحسن

::

كتب زاهي وهبي الاعلامي الشهير لازم اقراة ممكن تحمسينا وتقولين شوي من فكرته

::

اشعر وانا اقرأ المقال ... ان شء ما بداخلي يتكلم

1-البداية الاستعداد للسفر ... والكامرا
هذه مقسه عندي

2- والتأمل في وجوه المسافيرن ..
لقافتي ما اقدر اتركها

3- حب السفر ولا شيء سوى السفر اجد فيه راحتي

4- اعجبتني جدا هذه الفقرة وقلت
اي والله صح مساكين الي ما يعرفون هذا الخير
====
هل كان يُدرك الأولون أن كل ما تحتاجه لمغادرة عالمك والالتحاق بعالمٍ جديد هو غفوةٌ قصيرة أو فصلٌ من كتاب ؟
وهل يدرك المعاصرون الذين حرموا أنفسهم متعة السفر , أن هناكَ عالمٌ أوسع بكثير من عالمهم الذي يختزلون أنفسهم به ؟
=======

5- تتكلمين عن التذكار وسراء السوفونير
وتجول عيني في اركان غرفة المعيشة .. ركن الذكريات الخاص بي

6- مااحس اني في لبنان الا اذا هبت علي نغمات فيروز من كل مطعم وكل كافيه
::
لى صوتٍ فيروزٍيٍّ عذب يستجدي ويقول :
{ دخلك يا طيّر الوروار , رحلك من صوبن مشوار }
فأرد عليه وأقول :
{ دخلك يا طيران الوطنية , خذني ع بيروت يلي فيها بحلم ! }

الله الله الله ... اي الجمال ده


تحياتي وارفع عقالي بوست متميز وعلامة التميز بكل جدارة

فاطمــه يقول...

عجبتني جملتج الأخيره

انشاله تستانسين في بيروت

=)

كل التوفيق لج يارب

L!fe يقول...

اتمنى لك التوفيق غاليتي ..

حالِمه .., يقول...

مرّ شهر ..،
/
مافي بوست يديد؟

إيلاف يقول...

الفنان :

تحرجوننا دوما بردودكم المليئة بالاطراء والثناء

ويسرّنا أن سرّكم ماكتبنا

وبخصوص المقال وكونه من أدب الرحلات , أحب كثيراً هذا النوع من الكتابة : )

أما كتاب زاهي وهبي , فهو يتحدث عن الحال الثقافي لبيروت , وتغيّره في غضون العشرين سنة الأخيرة
الكتاب رائع جدا وهو من الحجم المتوسط أنصحكم به وبشدة

ومرة أخرى , شكرا جزيلا لكم

.
.

fiona

نشكركم على الدعاء , ولكنني كتبت المقال بعد أن عدت من بيروت ^_^

حياكِ الرحمن عزيزتي

.
.

حياة : ) أشكركِ

.
.

حالمة

ههه يالني من كسولة !